Saturday, August 10, 2019

مصريين فى الحرب العظمى - 1


في الرابع من أغسطس 1914 كتب الملك  جورج الخامس  في يومياته:
"عقدت مجلسًا في 10:45 لإعلان الحرب مع ألمانيا. إنها كارثة فظيعة ولكنها ليست خطئنا ... أرجو إلى الله أن تنتهي قريباً".
فى مصر وفى الفترة ما قبل بدايات الحرب كان الخديوي  عباس حلمي الثاني سابع حكام مصر من أسرة محمد على يحاول من غير جدوى مقاومة الإحتلال البريطاني الذي خضعت له مصر فى عهد ابيه.
لكنه وقبل أن تشتعل الأمور فى أوروبا بفترة استقل يخت المحروسة في رحلة للخارج، وكان هذا آخر عهده في مصر، كان آخر ما فعله توقيع أمرين بتنقلات وترقيات لرجال القضاء الأهلى ووضع سلطاته لرئيس الوزراء، أقام بعد مغادرته مصر في فرنسا متنكراً، ثم غادرها لتركيا.
في ال 25 من يوليو 1914 بينما كان خارج من الباب العالي قام شاب مصري يدعى محمود مظهر بإطلاق الرصاص عليه، وقال عن الحادثة فيما بعد:
"شعرت بانقباض صدر قبلها، وعندما رأيت الشاب يصوب المسدس إلي تمكنت من الإمساك بيده الممسكة بالمسدس ودفعه بعيدًا في الوقت الذي لم يتحرك فيه الحرس إلا متاخرًا وأصابني بعض الرصاص ولكن في مناطق غير مميتة وتناثرت الدماء على ملابسي وكيس نقودي ولكنها لم تصل إلى المصحف الذي كنت أحمله وهذا من لطف الله وحتى لو وصلت إليه لما مس هذا من قداسته"

تسبب هذا الحادث في تأخير عودته لمصر في الوقت الذي نشبت فيه الحرب العالمية الأولى ولم يعد السفر عبر البحار مأمونًا، وطلب السفير الإنجليزي في تركيا من الخديوي العودة إلى مصر، إلا إنه تردد فطلب منه أن يرحل إلى إيطاليا إلى أن تسمح الظروف بالعودة إلى مصر، إلا إنه رفض، مما جعل الإنجليز يتشككون في نواياه.
ومع وجود الخديوى خارج البلاد ورغم الضغط البريطانى المتواصل لمنعه من اتخاذ هذا القرار، أعلن رشدي باشا رئيس الوزراء والقائم قام الخديوي قراره بحياد مصر فى الحرب، وأصدر تعليماته بمراعاة حياد الموانئ المصرية لضمان حياد قناة السويس، كان الرجل يرغب في استمرار حياد مصر حتى لا يزج بمصر والشعب المصري في أتون حرب لا صالح لمصر فيها ولا مكاسب منها.

لكن  تلك الأمانى والرغبات لم تتحقق..
فلم ينقطع الضغط على الحكومة المصرية بعد اتخاذها هذا القرار، فما كان للحكومة أن تمتثل للضغط البريطانى المتواصل بإصدار قرار الخامس من أغسطس بشأن الدفاع عن القطر المصرى أثناء الحرب القائمة، كان نصه:
"بما أنه قد قُضى لسوء الحظ بإعلان الحرب بين جلالة ملك بريطانيا العظمى وأيرلندا والملحقات البريطانية فيما وراء البحار وإمبراطور الهند وبين إمبراطور ألمانيا؛ ونظرًا لأن وجود جيش الإحتلال في القطر المصرى يجعل هذا القطر عرضة لهجوم أعداء صاحب الجلالة البريطانية. وبما أنه من الضرورى نظرًا لهذه الحالة الفعلية التمكن من اتخاذ جميع الوسائل اللازمة لدفع خطر مثل هذا الهجوم عن القطر المصرى. وبما أنه قد أشير على الحكومة المصرية تحقيقًا لهذا الغرض أن تتخذ الإجراءات الآتية: فلهذه البواعث يكون معلومًا لدى جميع ذوى الشأن أن مجلس النظار في جلسته المنعقدة في يوم 13 رمضان  1332  الخامس من  أغسطس 1914 تحت رئاسة عطوفتلو أفندم حسين رشدى باشا القائم مقام الخديوى  قد قرر ما يأتى :
منع التعامل مع ألمانيا ورعاياها والأشخاص المقيمين فيها. ومنع السفن المصرية من الاتصال بأى ثغر ألمانى، وحظر التصدير إلى ألمانيا وتحويل القوات البريطانية الحربية والبحرية حقوق الحرب في الأراضى والموانئ المصرية واعتبار السفن الألمانية الراسية في الثغور المصرية سفنًا معادية وحجزها في تلك الثغور".

فى غضون أيام قليلة صارت مصر أشبه بمستعمرة بريطانية عسكرية يتدفق عليها جنود الإمبراطورية البريطانية من كل حدب وصوب، ينتشرون في أرجائها، امتلأت القاهره وبقيه المدن بالقوات الأجنبيه من كل ملة ولون وجنس، الحرب طالت البلاد من الداخل، فمنذ اللحظة الأولى عملت إنجلترا على جعل مصر معسكراً لقواتها وقوات حلفائها، وتوالت استعداداتها داخل مصر، أمرت بإقامة الخنادق فى عده أماكن، عززت مواقع جنودها في النقط الحربية والشواطئ، شددت المراقبة على السواحل، وبالطبع على مدينة الأسكندرية التى أصبحت قاعدة لحملة البحر المتوسط تجاه شبه جزيرة جاليبولي ومركزاً لقيادة القوات، نُصب فيها مدفعا بقرب قصر رأس التين مُوجه فوهته إلى المدينة، مما جعل أهل المدينه فى رعب وذعر دائمين، أنشئوا معسكرت للجنود الإنجليزية في أبي قير ورشيد، ومعسكرات وفرق هجانة فى شبه جزيرة سيناء، أصبحت مصر قاعدة  عسكريه كبيرة للعمليات الحربية في الشرق الأوسط، وأُدخلت مدينة بورسعيد والإسماعيلية والسويس في منطقة الحرب، تحملت مصر وحدها نفقات وتكاليف هذه المعسكرات رغم أن الإنجليز أعلنوا أن مصر لن تتحمل شيئاً من أعباء هذه الحرب، بعد ذلك أصدروا التعليمات الواجب على المصريين اتخاذها أثناء الغارات، فكان عليهم إقفال المنازل والنوافذ من غروب الشمس حتى شروقها وإظلام الأماكن العامة والخاصة، ودهن الأنوار والزجاح باللون الأزرق القاتم.

كان الخديو عباس حلمى الثاني لازال غائبًا عن مصر، فقد كان في الآستانة، وحينما أراد الرجوع إلى مصر أظهرت الحكومة البريطانية رغبتها في عدم عودته، إذ كانت نيتها مبيتة على خلعه.
وفي الثامن عشر من  ديسمبر أعلنت انجلترا الحماية على مصر ونشر هذا في جريدة الوقائع المصرية في اليوم نفسه وكان نصه:
"إن وزير خارجية جلالة ملك بريطانيا يعلن أنه نظرًا لحالة الحرب الناشئة عن عمل تركيا، فقد وضعت مصر تحت حماية صاحب الجلالة، وأصبحت من الآن فصاعدًا من البلاد المشمولة بالحماية البريطانية، وبذلك قد زالت سيادة تركيا على مصر، وستتخذ حكومة جلالته كل التدابير اللازمة للدفاع عن مصر وحماية أهلها ومصالحها".
وفي اليوم التالى لإعلان الحماية على مصر أعلنت بريطانيا خلع الخديو عباس حلمى الثانى وتولية حسين كامل عرش مصر، ونُشر ذلك في عدد 19 ديسمبر 1914 بجريدة الوقائع المصرية.
وفي نفس اليوم تألفت وزارة حسين رشدى التى كانت تتولى الحكم من قبل، وبقى الوزراء في الوزارة الجديدة مع تعديل يسير في مناصبهم وتغيير خطير في نظام الحكم. إذ صارت البلاد وحكومتها تحت الحماية البريطانية وقتئذ، وألغيت وزارة الخارجية المصرية تبعا لنظام الحماية.
بريطانيا سعت أيامها إلى تدعيم موقعها فى مصر بشتى الطرق، لتكون معسكراً لقواتها، وهو ما دفعها لإعلان الأحكام العرفية وتكوين جيش من الجنود المصريين وكذلك الرديف، و هو عبارة عن فرق تشكلت من الجمَّالة والعمال الذين تولوا مهمة بناء الجسور وحفر الآبار فى العديد من الأماكن منها شرق السويس ودول الشام ومنطقة السلوم وليبيا والسودان، وفرنسا وفالونيك فى اليونان.

كانت بداية أهوال الحرب وأولى المعارك فى مصر فى الثامن والعشرين من يناير أول شهور 1915، عزز الأتراك قواتهم في سيناء في العريش والقسيمة ونخل، وفي يوم 24 يناير وصلت مقدمات القوات التركية بقيادة جمال باشا دويدار، وفي 27 يناير كانت على بعد 40كم من القناة وبدأ أول اشتباك مع القوات المدافعة على القناة في نفس اليوم.


                                                يتبع.... 

مع تحياتى 

Mkm_cinema1@hotmail.com  




No comments: