Saturday, August 10, 2019

مصريين فى الحرب العظمى 2



هوراشيو هربرت أو اللورد كتشنر كان المعتمد البريطانى فى مصر حتى أوائل1914..
وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى استُدعي إلى بريطانيا ليعمل سكرتيراً لشئون الحرب، كان كتشنر عندما أعلنت الحرب قد صرح بأنه يتوقع استمرار الحرب لفترة طويلة قد تستمر ثلاث سنوات على الأقل،  وأنها تتطلب جيوش جديدة ضخمة لهزيمة ألمانيا، سيسقط الالاف خلال هذه الحرب ولكنها ستستمر حتى أخر جندى.
على الفور بدأ كتشنر حملة تجنيد موسعة، وسرعان ما ظهر ملصق مميز لكتشنر، مأخوذ من على غلاف مجلة، فشجع أعداد ضخمة من المتطوعين البريطانيين للإنضمام إلى صفوف الحرب.
صورة الجندى المصرى واستبساله أثناء الحملة المصرية البريطانية على السودان، لمواجهة ثورة المهدى عام 1892كانت عالقة فى ذهن الكولونيل كوتشنر أحد قيادات الحملة حينئذ، فكان مع بداية توليه الدعوة بالاستعانة بالجيش المصرى -رغم عدم وجود كيان واضح له فى تلك الفترة- لدعم جبهات القتال فى أوربا، خصوصاً أن الاحتياطيين البريطانيين كان أقل عدداً ومعظمهم أصغر سناً عن نظرائهم الفرنسيين.
فأصدرت بريطانيا قرار الإستعانة بالمصريين فى ميادين القتال على الجبهة الأوروبية، فيما أسموه "فيالق العمال المصريه" فى حفر جانب كبير من الخنادق الخاصة بقوات الحلفاء على الجبهة الأوروبية.
أُخذ آلاف من المصريون البسطاء من طبقة العمال والفلاحين من القرى والنجوع، ليُلقى بهم فى أتون حرب مشتعلة إلى السماء، أُخذوا عنوة ليقتلوا فى حرب بين دول وعلى أراضى بعيدة ألاف الأميال عنا، كان سنهم ربما لم يتجاوز الثامنة عشر حين اقتيدوا إلى الخدمة والعمل فى بلاد قادت حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
مسيرون إلى قدر محتوم..

توافدت القوات إلى فرنسا حتى وصل عددهم 10 آلاف و463 جنديا، كان يتم استبدالهم دائماً  بنفس العدد.
فى نفس الوقت كان فرق الجيش المصرى تواصل السفر إلى باقى الدول الأوروبية، كان الجنود يوزعون على الجبهات كأنهم عبيد أو ميراث حق لهم، كانت الفرقة 71 من نصيب مرسيليا، و ثلاث فرق من فيلق العمال فى مدينة دينكيرك بشمال فرنسا، وفى مدينة كاليه تمركزت ثلاث فرق أخرى، وفى بولونى الفرقة 80،وكان من نصيب الجيش الرابع البريطانى المرابط فى المنطقة الخاصة بفرنسا 4 فرق.
استقبلت مدينة طنوس، ومودروس باليونان فرقة من فيالق العمال، لمساعدة القوات المحاربة هناك فى إعداد الطرق، وكانوا يلقون بهم فى الخطوط الأمامية، لملاقاة نيران العدو وويلات جحيمه وطلقاته أولاً قبلهم.
وأُرسل إلى مدينة سالونيك أو سلانيك باليونان 600 جندى، وظل العد يتزايد باستمرار حتى وصل بعد ذلك إلى 7000 جندى مرابط هناك، وشملت الدول التي تواجد فيها الجيش المصرى لمساعدتها فى الحرب إنجلترا، وبلجيكا، وإيطاليا، ومالطة، وفرنسا، واليونان  إلى جانب مضيق الدردنيل الذى يربط بين بحر إيجا ببحر مرمرة فى شبه جزيرة جاليبولى فى الجانب اليونانى من الأراضى التركية.

كانت الحرب الإيطالية الطرابلسية ما تزال تدور رحاها على الأرض الليبية، ولكن القتال كان يدور حينذاك بين القوات الإيطالية وقوات السنوسى، بعد انسحاب القوات العثمانية إلى بلادها عقب إبرام معاهدة "أوشى"
السنوسيين توقعوا مساعدة الأتراك والألمان لهم ضد العدو الأساسى وهي إيطاليا، والأتراك والألمان كانوا بدورهم يسعون للحصول على مساعدة السنوسيين لهم ضد عدوهم الأساسي وهو الإنجليز، وقد كانوا يعدون حملة ثانية على قناة السويس لغزو مصر، لذلك أرسلوا بعثة تركية ألمانية إلى برقة غرضها شغل الإنجليز بأمر الدفاع عن مصر من حدودها الغربية، حتى تتوزع قواتهم ويسهل على الألمان والأتراك تحقيق النصر عليهم.
 استطاعت هذه البعثة توريط السنوسي الكبير "السيد أحمد الشريف" في القتال ضد الإنجليز في نوفمبر 1915، رغم معارضته الكبيرة لمشروع الحملة ضد الحدود المصرية وبذلك بدأت الحرب في الجبهة الغربية.
كانت القوات المصرية موزعة بين مرسى مطروح والسلوم وسيدى برانى، وكان رجال الحامية المصرية بالطرف الشرقى من خليج السلوم يقيمون في "العقر"، وعلى شواطئ البحر تحت قيادة الكولونيل "سسل سنو"، الذى كان محافظًا للصحراء الغربية وضابطًا بالمخابرات الإنجليزية، بينما كان القائد المصرى لمنطقة مرسى مطروح وسيوة هو اليوزباشى محمد صالح حرب، وعندما ابتدأ القتال انسحب "سنو" من السلوم الى مرسى مطروح، وأسند إلى محمد صالح حرب سلطات الحاكم العسكرى في المرسى.
فى مضيق الدردنيل تمركزت فرق الجنود المصريين، و أقامت التحصينات، للهجوم على الدولة العثمانية، وكانت ست فرق من الجيش مكثت أربع أشهر، وأظهرت بطولات فائقة تحت وابل من القنابل والنيران، واستشهد منهم الكثير فى الدردنيل، واليونان، وبلجيكا وإيطاليا بسبب ظروف الحرب القاسية، والجو الثلجى القارس، حيث الثلوج تكسو كل شئ، وهو مناخ غير معتاد للمصريين، إلى جانب افتقادهم رعاية المرضى منهم والمصابين على خطوط النار فى دول أوربا بإهمال متعمد، كأنهم ليسوا من البشر مثلهم.

 الأن وفى يومنا هذا..
 فى قلب مساحة خضراء تفوح برائحة الورود والأزهار فى جنوب فرنسا، مقابر كثيرة للجنود المصريين، أسماء  هؤلاء المواطنين المصريين مكتوبة علي شواهد مقابر فخــمة محاطة بالورود  وبجوارها باللغة العربية
«إنا لله وإنا إليه راجعون»
ثم اسم الجندى ورقم فرقته وموعد الدفن..
"جندى فيلق عمال مصرى توفى 1917 فى الحرب العالمية الأولى"
 مواطنون مصريون ماتوا ودفنوا فى غير أرضهم بعيداً عن أهليهم وذويهم وأحبابهم، أهالى هؤلاء المصريين لم يعرفوا عنهم أى شىء لسنوات وسنوات، بل ربما أغلب أهاليهم ماتوا  دون أن يعرفوا مصير أبنائهم،  فقد أُخذوا من ذويهم مع  آلاف من المصريون البسطاء من طبقة العمال والفلاحين من القرى والنجوع، ليُلقى بهم فى أتون حرب مشتعلة إلى السماء، أُخذوا عنوة ليقتلوا فى حرب بين دول أخرى على أراضى بعيدة ألاف الأميال عنا، كان سنهم ربما لم يتجاوز الثامنة عشر  أو العشرين حين اقتيدوا مع رفاقهم  إلى الخدمة والعمل فى بلاد قادت حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

اليوم إذا ذهبت إلى فرنسا، هناك أسماء مئة ألف جندى شهيد مصرى فى سجلات الحرب العالمية الأولى، رغم أن الواقع يقول أن عددهم يزيد على نصف مليون شهيد كلهم مدفونين فى المقابر الأوروبية مدون فيها الأسماء بوضوح، والفيلق الذى ينتمى إليه الشهيد، وإسم المقبرة، ومكانها بدقة، وتاريخ الإستشهاد، و كل هذه البيانات مدونة على تلك المقابر فى هذه البلدان الأوروبية.



مع تحياتى 

Mkm_cinema1@hotmail.com  



No comments: